السبت، 1 نوفمبر 2008

الطبيعة العضوية للنشاط الإبداعي
















تمايز الإبداع الإنساني:
القدرة العقلية والطريقة السلوكية في النوع الإنساني مختلفة عن مثيلاتها عند الكائنات الأدنى فالذاكرة العقلية عند الإنسان واسعة ومتسعة قادرة على زج كم هائل من المعارف والمعلومات والاحتفاظ بها وغالباً ما يتم تنقيحها وتوجيهها لتناسب النظام ألمفاهيمي لكل إنسان ويمكن التوصل إل استنتاجات مذهلة في عملية الربط بين معطياتها المختلفة لتخرج للعام وكأنها أفكار جديدة فالقدرة العقلية عند الإنسان تتجاوز الأبعاد المرسومة في إطارها الزمني أحياناً وهكذا تظهر العبقرية كنوع من معطيات جديدة تماماً فالأهداف الإنسانية لا تتحقق بالأعمال الجسدية بقدر ما تتحقق بالأعمال الذهنية كذلك ، وينغمس العقل البشري في تحصيل المعرفة من خلال البحث في العلاقات بن الحقائق يرتب مجرياتها بما يخدم توجهاته ويعطيها قدرة التحقيق في عالمه الخارجي ، فالنظريات الاجتماعية هي توليف مفاهيم مرتبطة بالحياة الإنسانية قادرة على التحقق في نظام سلوكي يدخل الطبيعة الاجتماعية في نظام وعلاقات جديدة مغايرة لطبيعة الوجود السابق للنظرية . فالمحيط الداخلي للعقل البشري يتوسع ويلزم المحيط الخارجي بالتوسع المرافق له فالأهداف المحددة والرغبة والتفكير عبارة عن اختيارات ذاتية وسلوكية محددة ضمن النهج الحياتي المتغير وفق طبيعة الأفكار المتغيرة في جميع العصور .
أ – التخيل
هو عنصر مضاف للعقل البشري لمفهوم العقل البشري ، فالتنوع المتزايد للذخيرة المعرفية وتعددية المعارف والمفاهيم و البنى المتعاظمة في وسائل الحياة وغيرها من منجزات الحضارة البشرية أسست واقعاً فكرياً مرتبط بعملية ذهنية على قدر من الأهمية هو التخيل . إنه ربط منظومة من من المعطيات الذهنية وإدراجها في نظام تعبيري أو تصويري ويمكن أن تدخل الذات الفردية كعنصر فاعل بهذه الموهبة العظيمة لأنها من أكثر الصفات تمايزاً لأنه يجعل الطاقات الإبداعية مخططة في نظام المخيلة ، يتم تركيبها وفحصها عقلياً قبل أن تدخل دائرة التعبير أو التطبيق فالخيل هو صور مراقبة من العقل تجميع يتم تحليلها والتأكد من سلامتها وقابلية عطائها اللاحق. ويمكن للعقل أن يتخيل أنظمة مغايرة لطبيعة العصر ومفاهيمه المعرفية ن يضع القواعد والتصورات والأحداث ضمن مجرى ذهني غير مرتبط بالحيلة ولا بالإنجازات القائمة في وجودها ، ومن خلال التطور المعرفي والتقني يوصل العالم إلى تطبيق أنظمة حياتية سابقة لزمنها ، كما حدث لجول فيرن عندما تخيل مجموعة من قصص الخيال العلمي حول رحلات خيالية بين الكواكب في زمن لم ينجز يعد أي مركبة فضائية ، وبعد التطور العلمي توصل العلم إلى إطلاق مركبات فضائية لاكتشاف الكواكب والبحث في مجالات الفضاء المختلفة لقد توصل العلم إلى تطبيق نظام التخيل عند جون فيرن فالحقائق المكتسبة من خلال التخيل تندرج ضمن منجزات العقل البشري.





ب – اللاشعور:
مجموعة من الأفكار والتصورات والأحاسيس وشتى أنواع المعارف تسكن خلف جدار الوعي بانتظار خروجها عند الضرورة . ضمن هذه المساحة المخفية تجري جميع أنواع الاختيارات والمقارنات بين شتى معطيات الأفكار تراقب ما يدور في نشاط العقل من مسائل جوهري وأبحاث جارية في إطار الوعي ومجمل الصياغات الفكرية الضرورية ألناشئه من اهتمامات العقل ذاته وعندما ينخرط العقل في مسائل منتقاة بعناية ولغاية محددة يضع أمامه مجموعة من المقترحات ذات قيمة معرفية لحل واكتشاف صياغات وقوانين جديدة وعندما يتوجه بطاقته الذاتية الواعية إلى معرفة قيد الكشف ويصعب عليه إدراك أنماط بنائها ينشط اللاشعور المرافق لجميع حالات الوعي هذا لتقديم مقترحاته عند الضرورة وفي المكان هذا يمكن أن تتواجد روابط العالم الكلية من مادة وحياة وفكر قادرة عل رشق نماذج الوعي المتغير والمبهم بومض الحلول الواضحة عندما يستغرق العقل في البحث عن مسائل مرتبطة بحالته الذهنية عندما يتخبط في محيط معرفته دون أن يلاقي جواب . يعمل اللاشعور لإعطاء نظام العقل حاجة معرفية بصورة فجائية فيظهر الإبداع معبراً عن كشف غير مسبوق وبصورة غير معروفة المصدر وكأن العقل يريد أن يقول عملت كل ما في استطاعتي وإمكانياتي في دود المعارف المتوفرة في بنائي لتحقيق هذا الكشف لكنه لم يتوفر في داخلي وبينما أنا منهمك وتعب من العمل الطويل والمضني أيقظني منبه خفي ورمى أمامي ما كنت أبحث عنه واختفى قبل خروجي من واقع الدهشة المفرطة للتعرف غلى شخصيته وشكله ، هذا اللاشعور الحاضر الغائب في كل لحظة من وجودنا دون أن ندري ، ويمكن أن يكون اللاشعور برنامج استدعاء الملفات المنسية والمخزنة في الذاكرة العقلية لأن الطريقة التي يعمل بها اللاشعور تستوجب سجلاً كاملً لمجموع المعلومات الواردة للعقل البشري . في أي عصر من العصور يرتبط بنا جميع المعلمات الناقصة من هذه العصور وكأن العقل البشري لم يكن في أوقات زمنية ماضية قادراً على ردم الفجوات المعرفية في بنائه فاحتفظ بها إلى وقت اكتمالها وهكذا نرى بأن الاكتشافات والإبداعات تأتي لملئ التغيرات والنواقص في تاريخ التطور البشري.

ج - -الإبداع

الإبداع قدرة عطاء الجديد في ميادين الحياة كافة ، وطاقة كمال النفس نحو وعي ذاتها في عالم الوجود والإبداع مهمة عقلية رائدة في التصدي للمشاكل الإنسانية، يوظف نفسه لإعطاء الحياة معناها الحقيقي ، ويمكن أن يظهر الإبداع بطريقه استنتاجيه عن طريق هجوم الأفكار المباشر يتم البحث من خلالها بكل عناية وانتباه ودقة عن علاقات غير معروفة وجديدة على العقل البشري . لقد كانت تظهر هذه الحالة عند العالم الكبير أديسون عندما يقوم باختراعاته وكانت تظهر للعالم أنشتاين أثناء تطويره لنظرياته هذه الطريقة ليست الوحيدة القادرة على إظهار الإبداع كحقيقة مكتملة قادرة على إعطاء النوع الإنساني قوة التفوق في إرساء دعائم الإنتاج لنوعية بنيته الحضارية .
غير أن الإبداع الذي أرغب في توضيحه هو الإبداع المنطوي على فوائد للبشرية من خلال وجوده وتعميمه على كامل النشاط الإنساني . لأن استغلال الإبداع لغايات مسيئة للحياة وطاقات تخريبية هدامة لا أعتبره إبداعاً إنه استغلال الإبداع لأهداف بعيدة عن الأخلاقية وتحمل في بنيتها أعمال هدامة مخيفة للحياة الإنسانية ، وكل استغلال إبداعي يرمي إلى إشاعة الرعب والموت عنصر شاذ سيلفظه الوجود الإنساني خارج دائرة الفعل في المستقبل القادم وعندما لا تقوم الإنسانية بواجبها لمنع التدمير ستقع في نظام كإرثي رهيب يؤدي إلى ظهور مواقف وأفعال مذلة للكرامة الإنسانية مغير مخلصة لحياتنا النوعية.
من جهة أخرى قد تنشأ فكرة جديدة بصورة تلقائية في الذهن تبدو وكأنها انبثقت من العدم في وقت يكون الإنسان فيه مشغولاً في أمر مختلف تماماً ، كما حدث لعالم الرياضيات الشهير هنري بوان كاريه في عام (1924)
عندما ظلّ منشغلاً بمسألة الدلالات دون الوصول إلى نتيجة وفي إحدى الليالي وبعد شربه القهوة طار النوم من عينيه وبدأ يتمشى فتواردت على ذهنه أفكار على شكل حشود تتصادم وتتشابك لتؤلف أخيراً تركيبات ثابتة معينة أكتشف منها وجود الدلالات الفوشينية ، وأثناء قيامه برحلة جيولوجية مستريح الذهن من التفكير بالرياضيات خطرت له فكرة وهو يصعد الباص فكان اكتشافه هو أن التحويلات التي استخدمها تماثل تلك المستخدمة في الهندسة غير التقليدية وكان ذلك تجلياً عظيماً.
ومثل أخر عندما اكتشف برهان أوتولوي الوسيط الكيميائي للسيالة العصبية فقد ظهر له الموضوع بكل وضوح في منامه وعندما استيقظ لم يتذكر منه شيئاً وفي اليوم الثاني حالفه الحظ إذ رأى الحلم مرة أخرى فسجل محتواه وعاد للنوم وفي اليوم الثاني أجرى في المختبر تجربة حاسم أثبتت صحة الحل الذي رآه في المنام.
فالطرق الإبداعية تعبر بمجملها عن حالة عقلية خاصة بالشخصية لأن النظام الإبداعي متعدد الوجوه ناتج عن خلفيه غنية من المعرفة والخبرة المتواصلة الملازمة لطبيعة الإنتاج المبدع وفي الميادين العلمية ينبغي أن يعمل الإنسان بجد ودأب وروية كي يحل جوانب مسألة ما أو يصوغ مجموعة من الحقائق غير المترابطة ظاهرياً على شكل بنية مكتملة تؤلف مطلباً علمياً ملحاً. أما في مجال الفنون فالمبدع يحلم ويطيل التفكير بلوحة فنية أو مقطوعة موسيقية يشعر أنها مخبأة في خزينة الكون ،فيسعى إلى إخراجها إلى الوجود وفي مجال الشعر ينتاب الشاعر نوع من الاستغراق بشيء جميل وصور مولدة للأحاسيس والمشاعر إنه يجاهد لنقل إلى الواقع العقلي تلك التصورات الغامضة المتشكلة في خياله بشكل مؤثر وجديد.
فالأعمال الإبداعية تفتح طريقها إلى الظهور بالرغم من ارادة الناس وتمتلك من القوة في بنائها مؤثرات تجعلها تتفوق عل جميع الأحكام والعراقيل الموضوعة أمامها إنها تسل بنت الحياة حاجتها إليها فالأعمال الإبداعية نظام ارتقاء العقل نحو الكمال.

ليست هناك تعليقات: